Rechercher dans ce blog

الغيب ، أو ما وراء حدود التّفكير الإنساني



!!!من أنا ؟ من أين أتيت ؟ لماذا أنا موجود ؟ ماذا يوجد خلف الوجود ؟؟؟

يقول الإنسان من أنا ، و كأنّه يتساءل ضمنيّا ً عن كيفيّة و سبب تواجده بجسمه العضوي ، و كأنّه يقول أنّه أعطي جسدا ً ، و أنّه سيّد على جسده ، و غيرها من الأسئلة الّتي يترفّع بها الإنسان عن جسده "الحيوانيّ " الفاني ، و يوحي أنّه أسمى من أن يكون "مجرّد" منظومة عضويّة لا تختلف كثيرا ً عن سائر الحيوانات ، و يبحث عن "نفسه" في بدنه ، فيحتار إن كان مستقرّا ً بدماغه أم أنّه روح متواجدة في كلّ عضو و خليّة من هذا الجسد ، و يطمأنّ لفكرة الرّوح لنفوره من حقيقة الزّوال ، فلا يضيره زوال الجسم إذا استمرّ "هو" أي "روحه" في الوجود.

و على افتراض أنّ الإنسان هو المخلوق الوحيد الّذي يملك ذكاء ً كافيا ً لإدراك نفسه و بيئته ، و أنّ هدف أيّ مخلوق حيّ هو البقاء و التّكاثر، فإنّ الفكرة المضادّة لفرضيّة "الرّوح ذات الجسد" (المذكورة في الفقرة السّابقة) هي أنّ الذكاء و الإدراك هما من مظاهر الحياة الّتي تميّز الكائن الحيّ ، و على هذا الأساس ، تكون جينات الإنسان قد دفعت بالقدرة الدّماغيّة إلى التّطوّر ، و جعلت من الذكاء التّكيف الوحيد تقريبا ً للإنسان ، و يكون "العقل" بذلك خادما ً للكائن البشريّ و استمراره و بقاء جيناته ، و ليس العكس.

و هكذا كان الذكاء وسيلة الكائن البشري للتّغّلب على منافسيه و السّيطرة على بيئته ، و لأنّ الهدف من هذا التّكيّف محدّد سلفا ً بطريقة ما ( و أفترض شخصيّاً أن تكون الجينات) ، فإنّ طريقة التّفكير الإنساني نفسها يجب أن تكون محدّدة الأهداف و بالتّالي محدودة ً. و الظّاهر أنّ أوّل ما بدأ الإنسان التّفكير به ، هو ما يسدّ به حاجاته الأساسيّة من مأكل و ملبس يقيه الحرّ و البرد و طرق للاحتماء من الأخطار الطّبيعيّة ، كالحيوانات المفترسة ، فيتعلّم مثلا ً أنّ "سبب" هروب طريدة ما (غزال مثلاً) هو إحداث ضجّة ، و أنّه لإسقاط فيل أرضا ً (مثلا ً) يتوجّب استخدام الكثير من السّهام "للتّسبّب " في موته بينما يكون "سبب" نجاته من الهجوم استخدام عدد غير كاف من السّهام قاومها جسده "بسبب" حجمه الكبير ...الخ.

فالواضح إذا ً ، و بعيدا ً عن النّظريّات الفلسفيّة ، أنّ الإنسان يفكّر وفقا ً لمبدأ " أنّ لكلّ شيء سبباّ "، و هو نفس المبدأ الّذي سمح له بتطوير وسائل تقنيّة و أسلحة و بنايات لأهداف تزيد من حظوظه في البقاء ، و هو ما تحقّق له في زمن قياسيّ مقارنة ً بالكائنات الأخرى المماثلة(الثّدييات) ، و تحوّل الكائن الجوّال شيئا ً فشيئا ً إلى الاستقرار و التّجمّع ( العيش في تجمّعات "سبب" إضافي لإبعاد الحيوانات الخطيرة) ، و أصبحت حياته أسهل بينما استمرّ عقله في التّفكير ، لكن هذه المرّة في ظلّ ظروف أفضل ، فالأمن (غذائي ّ كان أم من خوف ...الخ) فتح آفاقاً جديدة للعقل البشريّ ، لكنّها آفاق محدودة بأمّ التّفكير البشري : "لكلّ شيء سبب".

و من ناحية أخرى ، تبدو المخيّلة البشريّة محدودة من حيث أنّها لا تستطيع أن تفترض شيئا ً لا يستند إلى المعطيات المتوفّرة ، فالوحوش و المخلوقات الخرافيّة مثلا ً ، هي عبارة عن إعادة تركيب لحيوانات يعرفها الإنسان تضاف لها أحيانا ً أجزاء و صفات هي الأخرى معروفة و مستمدّة من الواقع ، فالتّنّين ما هو إلاّ ثعبان (حيوان) كبير الحجم (الحيوانات الكبيرة الحجم مهيبة ) و له أجنحة (كالصّــقر) و عوض أن يكون سلاحه السّم اختارت مخيّلة الإنسان ظاهرة طبيعيّة أكثر رهبة و عظمة ً هي النّار .

هاتين الصّفتين ( التّعرّف على الأسباب و الاستفادة منها من ناحية ، و القدرة على الاستنباط و التّركيب من خلال الخيال من ناحية أخرى ) جعلتا الإنسان أكثر إبداعا ً و ساعدتاه على تحقيق إنجازات و اختراع وسائل للمضيّ قدما ً في السّيطرة على محيطه و استغلاله ، بيد أنّ الجانب التّقني لم يكن المظهر الوحيد لهذه القدرة الدّماغيّة المتميّزة ، و كما ذكرت في فقرة سابقة ، فقد فتح الاستقرار و الأمن آفاقا ً جديدة ً أمام العقل ، و المقصود هنا هو التّفكير بأمور و مواضيع لا تهمّ حاجات الإنسان المادّية و إنّما تشبع نهمه المتنامي للمعرفة ، معرفة الأسباب و المقاصد ( و هذا تكرار متعمّد ، فالمقاصد )!ما هي إلاّ أسباب

و بدأ الإنسان تقصّيه للحقائق و ربطها ببعضها البعض ، محاولة ً منه لتصنيف ما يحيط به ضمن نظام معيّن و تصرّف كملاحظ مستقلّ أو غريب عن الطّبيعة ، و نأى بنفسه عنها ، يقينا ً منه أنّه أرقى من أن يكون مجرّد حيوان مفكّر ، و مضى في تعريفه للأسباب الكامنة خلف الظّواهر الطّبيعيّة وفق تسلسل منطقي مبنيّ على الملاحظة و الافتراض ، فتكرار الأحداث و ورودها وفق تسلسل معيّن في كلّ مرّة يعني أنّ الحدث قد وقع حتما ً لأنّ سببه كذا ، فمثلا ً ملاحظة نموّ العشب بعد هطول المطر ، يعني أنّ الماء سبب نموّ العشب ، و المطر لا يهطل إذا لم تكن هناك سحب ، فالسّحب إذن هي سبب هطول المطر ، و السّحب تأتي عادة ً بعد هبوب الرّياح الّذي يتزامن مع حركة تلك السّحب ، فالرّيح إذن هي سبب تجمّع السّحب ...الخ.

و تبعا ً لكلّ ما سبق ، نجد أنّ نشاطات الإنسان و حاجاته ( الزّراعة ، الإبحار...) و مخيّلته الواسعة ، و خاصّة ً فكرته عن الأسباب المؤدّية إلى نتائج (قد تخدم حاجاته ..) كلّ هذا خلق تصوّرا ً جديدا ً للوجود ، فحواه أن لا بدّ من "مسؤول" أو "مسؤولين" عن كلّ ما يحدث ، و هذا التّصوّر مبنيّ أساسا ً على أماني الإنسان و آماله أن تكون نتائج المسبّبات في صالحه ، زيادة ً على هذا ، جعلت الظّواهر الطّبيعيّة الضّارّة و الكوارث الإنسان (في القديم) يفكّر بأسباب (مسئولين) مساعدة و خيّرة ، و أخرى ضارّة شرّيرة ، و أعطتها مخيّلته صفات بشريّة ، فهي ذكيّة و مدركة و تسمع و ترى و تنتقم و تغضب و ما إلى ذلك ممّا يعرفه الإنسان عن نفسه ، و استغلّ بعض الحكماء إيمان العامّة بمثل هذه "الآلهة" لادّعاء اتّصالهم بها أو معرفتهم لوسائل و "طقوس" لإرضائها أو اتّقاء شرّها ، و هكذا ظهر أنّ بالإمكان التّحكّم بالنّاس من خلال التلويح بعصا الآلهة (أو جزرتها) ، و اختصّ كثيرون بعلم جديد يصف ما وراء الأسباب الطّبيعيّة من مسبّبات ، و نشأ المعتقد في أحضان مخاوف الإنسان و أطماعه و ما لا يدركه عامّة المفكّرين بتفكيرهم المنطقي ، فلا يملكون الحجج لدحضه لعدم توفّر معطيات ماديّة كانت أو معنويّة.

و الجدير بالذكر ، أنّ تعدّد الآلهة مردّه إلى تعدّد حاجات الإنسان و مخاوفه ، و قد سايرت العلوم الغيبيّة الفكر البشري لأنّها هي نفسها أصبحت موضوع بحث ، و عمل المفكّرون الدّينيّون على تصنيف الآلهة وفق أنظمة بشريّة ، كالعائلة أو الجيش ، و لكنّ نظريّاتهم الغيبيّة لم تصمد أمام العقل البشريّ المتحرّر شيئا ً فشيئا ً من مخاوفه القديمة ، و كانت تساؤلات الإنسان الأزليّة تعود و تطفوا إلى السّطح و تنسخ جانبا ً من قناعاته و معتقداته.

فمحدوديّة الآلهة و اختصاصها يطرح ضمنيّا ً سؤالا ً : ما السّبب ؟

"إذا كان الإله محدود ، فإنّ لذلك سبب ، و السّبب أقوى و أوسع قدرة ً منه ، لأنّه "حدّد " من قدراته ، و هو حال الآلهة الأخرى المختصّة ، فجدير بي أن أذكر و أرضي "السّبب" الّذي سبق الآلهة و اختار لها من يجب أن تكون و ما عليها فعله ".

هذا لسان حال من لم يقتنع بتعدّد الآلهة ، و الحقيقة أنّ الإنسان إذ يطرح تساؤلات حول ماهيّة الآلهة ، إنّما يفكّر بما يعرفه عن الطّبيعة و البشر و مختلف مظاهرهما ، و لا "غيب" في الموضوع ، و بالعودة إلى المثال السّابق يمكن أن نبدّل فقط كلمة " إله" برتبة عسكريّة مثلا ً : "إذا كان هذا الضابط محدود المهام ، فلا بدّ أنّ لذلك سببا ً ، فهو يأتمر بأوامر من هو أعلى منه رتبة ً ...."

و بالإنتقال تصاعديّا ً في الرّتب و الأسباب ، تتّضح صورة " الهرم" حيث القاعدة تمثّل آخر لحظة (بما فيها من موجودات و كائنات) آل إليها الكون ، و هي فعليّا ً لحظة قراءتك لهذه الكلمة ، بينما يتربّع أوّل سبب على قمّة الهرم النّقطيّة ، أي أنّها نقطة واحدة ، تمثّل الإله الواحد و الرّبّ.

إنّها أقوى فكرة دينيّة جاء بها الإنسان ، لأنّها تستند إلى أقوى عنصر افتراضي أمكن للإنسان تخيّله ، و كما استغلّ الأوّلون عقيدة تعدّد الآلهة ، فقد آوى كثير من محبّي السّلطة و القدسيّة إلى فكرة الإله الواحد ، و بدأت تحاك القصص و المعجزات عنه و افترى النّاس مجلّدات عن "الله" ، و خلقوا أديانا ً أصلحت و خرّبت في آن ، و تزاحم من يسمّون أنبياء و أتباعهم في منافسة متساوية الحظوظ "للدّفاع" عن الرّسالات الّتي خصّهم بها "الله" ...الخ

و لكنّ الملاحظ أنّ الدّين يعرّف الله على أنّه "غيب" ، و مع ذلك يصفه بصفات نجدها في أنفسنا نحن البشر ، بما فيها من شرور و سيّئات ، و هذا أمر غريب جدّا ً و يؤيّد فكرة من يقولون أنّ الإنسان هو من خلق الرّب ، أي أنّ هذا الأخير تمخّض عن مخيّلة الإنسان و طريقة تفكيره ، و يتناقض النّاطقون بالدّين مع أنفسهم عندما يتفنّنون في وصف الله ، و "ينزلونه" إلى الأرض (و ما هي كوكب متناهي الصّغر في الكون..) و يجعلون سيّد خلقه من البشر (محمّد) ، مع أنّه من  "الغيب" و أنّه " يخلق فهو ليس كمن لا يخلق"...  طيّب : أنا أطرح سؤالا ً محاولة ً منّي أن أفتري بدوري شيئا ً عن الغيب

هل يمكنكم تخيّل "شيء"، خارج " إطار" الزّمان و المكان بحيث لا يوجد حتّى الفراغ ؟؟

إنّه سؤال معقّد ، ليس لأنّ الإجابة عنه مستحيلة ، بل لأنّه سؤال " فخّ " ، فكما رأيتم ، استعملت كلمات نعرفها و نفكّر بها في إطار ما يمكننا معرفته أو تخيّل احتماله : شيء ، خارج (أو داخل) ، زمان ، مكان ، فراغ ، يوجد أو لا ...الخ ، و هذا ليس غيبا ً ، زيادة ً على أنّ الغيب هو عند الإنسان "ما لا يصل إليه إدراكه" ، وصول الإدراك أو لا ، هو أيضا ً من الاختيارات المتاحة للعقل ...الخ.

إنّها دوّامة لا تنتهي ، و لا طائل منها ، و للتّخلّص منها يطمأنّ الإنسان إلى الإيمان بالله ، و كما قيل في القرآن :

"ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب".



تحطــّــم أصنام الإسلاميّين قي مصر و تونس

تعلّمنا منذ نشأتنا ، أنّ العالم الّذي فتحنا أعيننا عليه ، يسير وفق قواعد معيّنة حدّدتها سلفا ً سنن البقاء ، كسائر غيرنا من المخلوقات ، و أنّ البشر يتدافعون و يتنافسون لما فيه صلاحهم ، إمّا فرادى أو كمجتمعات تكوّنت لأسباب جغرافيّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة ، و اعتمد النّاس على وسائل عدّة لتنظيم حياتهم ، كالتّشريعات و القوانين و من ضمنها الدّين ، كما عملوا على تحسين ظروفهم المعيشيّة و الأمنيّة في البيئة من خلال مختلف الوسائل التّقنيّة و العلوم التّطبيقيّة و النّظريّة .
و كما ذكرت في مقالي بعنوان " الدّين : ديماغوجيّة الآلهة " ، فقد دفع التّنافس مختلف التّجمّعات البشريّة إمّا إلى الاستفادة من بعضها البعض ، أو للمواجهة ، و كان لهذه الأخيرة سلبيّاتها ، فزيادة على الدّمار و التّقاتل و الضّرر المباشر النّاشئ عن الاصطدام العنيف بين الثّقافات ، جعلت النّاس "يتخندقون" مع وجهائهم و حكّامهم ، و يتمسّكون و يحتمون برصيدهم الحضاري "المهدّد" من قبل منافسيهم ، و هذا ما يؤدّي إلى ركود عجلة التقدّم و الحضارة ، و هو من أسباب انحطاط أمم و أفول نجمها ، و ظهور حضارات في مجتمعات ورثت و تقبّلت إرث غيرها ، و استفادت منه أو بجزء منه في تحسين ظروفها في المجالات كافّة. فاليابان مثلا ً ، تخلّت عن انغلاقها و تقبّلت بانفتاح التّعامل مع الأوروبيّين ، و استفادت من علومهم و أفكارهم ، و تأثّرت بالثّورة الصّناعيّة الأوروبيّة ، بينما أدّى استكبار المسلمين على الأوروبيّين "الكفّار" و تفاديهم التّشبّه بهم ، إلى تقهقر مكانتهم الحضاريّة ، بسبب تأثير الدّين الدّاعي إلى المواجهة مع غير المسلمين ، و تمسّكوا بما هم على يقين أنّه ناصرهم – أي الدّين – إلى أن أصبحت الشّعوب المحسوبة على الإسلام ، ألعوبة في يد القوى الاستعمارية الّتي قطعت أشواطا ً في مجالات من العلوم و التّكنولوجيا.
و تجرّعت الشّعوب العربيّة و الإسلاميّة ويلات الإستعمار و الإستغلال ، و ألفت التّفوّق الدّنيوي للكافر ، و اطمأنّت ضمنيّا ً لاختلافها عنه " بإيمانها " ، باستثناء فئة مفكّرة نظرت بواقعيّة إلى الأمور ، و علمت أنّ أسباب تفوّق "الكافر" هي "كفره" ، لا أقول بالله ، و إنّما نكرانه لرجعيّة و تخلّف الدّين (حتّى أنّ المتنوّرين – إيلّوميناتي – حسبوا على الشّيطان إبّان الحكم الكنسي في أوروبّا) ، و قام روّاد الفكر المعاصر بإنعاش الحياة الثّقافيّة و الفكريّة في المجتمعات العربيّة و الإسلاميّة ، ممّا أدّى إلى انفتاح كثير من الشّباب على الأفكار المعاصرة ، و شكّلوا جيلا ً ثوريّا ً لا يؤمن بالمستحيل و لا يستكين إلى ضعفه ، و لا يرى في استنباطه من علوم و أفكار و ثقافات غيره عيبا ً و تبعيّة ، و هؤلاء ، و ليس الإسلاميّين ، هم من أعطوا شكلا ً عصريّا ً لبلدانهم ، و الأمثلة على ذلك عديدة.
و مع ذلك فقد استمرّ الإسلاميّون في ادّعاءاتهم  بأنّ سبب تحرّر الشّعوب هو تمسّكها بالدّين ، و لا انفي أن يكون الدّين سببا ً إضافيّا ً كما لم أنف يوما ً أنّ الإيمان بالله – من حيث المبدأ- لا يضرّ أحدا ً بل بالعكس قد يكون سببا ً في الإستمرار و فعل الخير ، و لكن ما يؤكّده المتطرّفون ، أنّ السّبب ليس الإيمان بالله وحده ، و إنّما هو أحكام الدّين و قرآنه و أحاديث محمّد ، و هذا خطأ ، فمثلا ً كثيرون ممّن انخرطوا في صفوف المجاهدين في الجزائر(خلال ثورة 1954-1962) لم يكونوا عارفين بأمور الدّين ، و مع ذلك فقد آمنوا بأنّ
زملاؤهم الّذين سقطوا في المعارك "شهداء" أي أنّ الله سيجازيهم خيرا ً .

و استمرّ سماسرة الدّين في محاولات استغلال المجتمعات العربيّة الإسلاميّة ، يساعدهم في ذلك الاستقرار النّسبي الّذي عرفته المنطقة العربيّة ، فقد استثمروا في فساد المسؤولين ، و الهزائم العسكريّة ، و عملوا دائما ً على تذكير شعوبهم بمنجزات العرب المسلمين و علمائهم في القرون الوسطى ، مع أنّ أغلب الفلاسفة و العلماء و الأطبّاء العرب كانوا أساسا ً من الملحدين ، و كلّما فشلوا في تحقيق شيء من مشروعهم ، زادوا إصرارا ً على المضيّ قدما ً تحت مسمّى " الصّحوة الإسلاميّة " ، و فضحهم الله في مواقع كثيرة ، فقد عاثوا فسادا ً في السّودان و فرّقوا بين أهله و ظلموا و احتقروا أصحاب الدّيانات الأخرى ، و خسروا في نهاية الأمر جزءا ً من تراب البلد . و في الجزائر ، حاولوا إقامة حكم إسلامي ، و بدؤوا بمنع عرض الأفلام في دور السّينما و فرضوا رقابة على المسارح ، و حاولوا تغيير نظام الحكم في البلد (من سيّء إلى أسوأ) باستغلال الدّيمقراطيّة و الانتخاب ،ضرفيّا ً ، فهم لا يؤمنون لا بالدّيمقراطيّة و لا بالحريّة ،  و لكن اصطدموا في نهاية الأمر بطرف آخر لا يؤمن هو الآخر لا بالدّيمقراطيّة و لا بالحريّة(الجيش) ، و تمّ إيقافهم عند حدّهم – سياسيّا ً – و هو ما اتّخذوه ذريعة ً لإعلان الجهاد تطبيقا ً لمختلف الأحاديث و الآيات القرآنيّة ، و تسبّبوا في مقتل مئات الآلاف من المواطنين الجزائريين ، و لكم أن تقرؤوا عن أفعالهم المستمدّة مباشرة ً من "الكتاب و السّنّة " ، حتّى تأخذوا فكرة ً و لو بسيطة ً عن صورة الدّولة الدّينيّة الّتي يصبوا الإسلاميّون إلى إقامتها.
و زيادة ً على أهميّة "الإنذار" الّذي قدّمته التّجربة الإسلاميّة في الجزائر ، فقد عمل الانفتاح على وسائل الإعلام الجديدة على كشف الكثير من الحقائق ، و لم يعد الشّباب العربيّ ضحيّة الوجهة الّتي يريدها من يدّعون معرفة مصالحه ، فقد نشؤوا على الإنفتاح الثّقافي ، و الّذي لا يعني بالضّرورة – بالنّسبة للكثيرين منهم- التّخلي عن ثقافته كلّيّا ً ، و تراجعت الشّعارات الإسلاميّة أمام شباب همّه أن يكون جزءا ً من العالم و الإنسانيّة ، لا أن يعتبر الشّعوب الغير مسلمة " أمما ً كافرة ً عدوّة الله و الإسلام ..."
و أحرج الله الإسلاميّين مرّة أخرى ، في بلدين عربيّين ، ثار شعباهما على السّلطة ، و لم يكن للإسلاميّين دور بارز أو حتّى ثانويّ ، و لم يبد الشّباب الثّائر اهتماما ً بأصنام الشّعارات الإسلاميّة البالية ، و كان تحرّكه ذا طابع اجتماعي ّ سياسيّ ثوري بحت ، و شرعيّة مطالبه جعلت ثورته مخلصة ً لا نفاق فيها ، على عكس الإسلاميّين ، الّذي يمتطون الدّيمقراطيّة و هم لا يؤمنون بها و يستغلّون وسائل الإعلام بما فيها من " صور" محرّمة(بالنّسبة لهم) ، و تبرّج المذيعات ..الخ فقط لبلوغ السّلطة و التّنكيد على النّاس.

و قد يحاول الإسلاميّون مرّة ً أخرى زجّ أنفسهم في ما لا يعنيهم ، و استغلال مكاسب الشّعوب لصالح مشاريعهم الدّينيّة ، و هذا ما احذّر منه – شخصيّا ً – فهم انتهازيّون ، و لا يقيمون وزنا ً و لا قدرا ً لمن لم يكن على "ملّتهم و شاكلتهم"، و هم مقتنعون أنّهم غير ملزمين بالصّدق في التّعامل مع الآخرين ، فهدفهم الإسلاميّ التّطرّفي يجيز لهم كلّ أنواع المكر و النّفاق للوصول إلى الهدف .
و لكن ، تجدر الإشارة إلى أنّ ثورة شباب "الفايسبوك" في مصر – أكبر دولة عربيّة – قد أصابت المتطرّفين الإسلاميين في مقتل و هم أدرى النّاس بذلك ، و هو ما قد يجبر الكثيرين منهم على ترك أفكار قد أكل الدّهر عليها و شرب !
كما يتوجّب على التونسيّين ، الحفاظ  على مكاسب النّظام السّابق و قطع الطّريق أمام زنادقة الدّين الذين أضرّهم حكم بورقيبة و بن علي لما أعطاه للنّساء من حقوق ، و هو ما كان يعدّ من مفاخر الشّعب التّونسي.
 و حطّم الشّباب أصنام الشعارات الإسلاميّة كما حطّم إبراهيم آلهة المشركين الطّينيّة ، و كفى الله المؤمنين ردّ شرّ المتطرّفين الإسلاميّين بأن أسكتهم و أظهر لهم مكانتهم الحقيقيّة على تخوم المجتمع و الحياة.